كل ما تريد معرفته عن هجرة الطيور
All about birds migration


تعريف الهجرة

هي واحدة من أكثر الأحداث الطبيعية إثارةً للإعجاب، حيث توصف بأنها الحركة السنوية المنتظمة للطيور و الحياة البرية من جزء من العالم إلى جزء آخر و العودة إليه مرة أخرى (بين مناطق التكاثر و المواقع التي تقضي فيها بقية العام)، كما تعتبر شكلاً من أشكال التكيف للبقاء على قيد الحياة. يعد التعرف على الهجرة أحد أفضل الطرق لفهم المخاطر التي تتعرض لها الطيور و الحيوانات الأخرى في حياتها و هي طريقة رائعة لتفسير التغييرات التي تطرأ على حياة الطيور من حولنا.

يقوم أكثر من نصف أنواع الطيور في العالم بهجرات بعيدة المدى، بحيث تهاجر الأفراد وحيدة أو في مجموعات. على عكس العديد من الحيوانات الأخرى، تحتاج الطيور إلى غذاء وفير طوال السنة، لذلك فالهجرة تسمح لها بالإستغلال الجيد للطعام الذي يخضع للتغييرات الموسمية و التكاثر، حيث يكون الإمداد الغذائي أفضل.

الطيور المهاجرة و الطيور المقيمة

لا تهاجر جميع الطيور، لكن تلك التي تقوم بذلك غالبًا ما تذهب في رحلات صعبة تمتد لمئات أو حتى آلاف الأميال بين مناطق تكاثرها خلال فصل الصيف و مناطق الإشتاء (فترة الشتاء). أينما تعيش الطيور يمكن تقسيمها إلى فئتين: أنواع مهاجرة و أخرى مقيمة.

الأنواع المهاجرة: تتكاثر الأنواع المهاجرة في منطقة واحدة، لكنها تقضي باقي فترة السنة (خارج مواسم تكاثرها) في مكان آخر، غالبًا ما يكون على بعد آلاف الكيلومترات.

الأنواع المهاجرة لمسافات قصيرة: كمثال عن الطيور التي تتحرك من الإرتفاعات العالية إلى المنخفضة كسفح الجبل. غالبًا ما تتواجد أماكن تكاثرهم و أماكن فصل الشتاء في نفس المنطقة مثل أبو الحناء الأوروبي Erithacus rubecula، طائر الخوري أو أبو قلنسوة Sylvia atricapilla و الحميراء الدبساء  Phoenicurus ochruros.

الأنواع المهاجرة لمسافات متوسطة: تهاجر بعض الطيور لمسافات متوسطة تمتد من دولة إلى دولة أو عدة دول.

الأنواع المهاجرة لمسافات طويلة: و هي الطيور التي تهاجر لمسافات معتبرة تصل لآلاف الكيلومترات مثل الطيور التي تهاجر من مناطق التكاثر في الولايات المتحدة و كندا إلى مناطق الإشتاء في أمريكا الوسطى و الجنوبية. على الرغم من هذه الرحلات التي تكون جد شاقة، فإن هذا النوع من الهجرة يعتبر ميزة لحوالي 350 نوعًا من طيور أمريكا الشمالية. على سبيل المثال، نذكر فصيلة الطيور النورسية (Laridae) من جنس Sterna و الطيور من فصيلة التمرة (Motacillidae).

يمكن أن يختلف نمط الهجرة لدى كل فئة من الطيور، لكنه أكثر تنوعًا عند الطيور المهاجرة لمسافات قصيرة و متوسطة.

الأنواع المقيمة: تعيش الأنواع المقيمة في منطقة معينة على مدار السنة. على سبيل المثال نقار الخشب الأخضر (Picus viridis)، القرقف الأوروبي ذو العرف (Lophophanes cristatus).

أسباب هجرة الطيور

تهاجر الطيور للإنتقال من المناطق التي تشهد إنخفاضا و عدم وفرة في الموارد و الإمدادات الغذائية إلى مناطق ذات موارد أوفر و أغنى. من أهم الموارد التي يتم البحث عنها هي الطعام و مواقع التعشيش، ففي مناطق خطوط العرض العليا في أوروبا، تنخفض الموارد بشكل كبير في الشتاء، لذلك تبحث الطيور عن طعامها في مناطق أكثر اعتدالا. بالإضافة إلى ذلك، لا تجد الطيور الوقت الكافي للعثور على الغذاء و تلبية حاجياتها منه خلال الأيام التي يقصر نهارها.

تميل الطيور المعششة في نصف الكرة الشمالي إلى الهجرة شمالا في فصل الربيع للإستفادة من تزايد أعداد الحشرات و النباتات الناشئة (budding plants) و وفرة مواقع التعشيش. مع اقتراب فصل الشتاء تتحرك الطيور جنوبا مرة أخرى، حيث تواجه الأنواع الآكلة للحشرات صعوبة أكبر في العثور على الطعام في مناطق معينة على عكس الأنواع الآكلة للحبوب أو القارتة التي يمكنها تنويع نظامها الغذائي. يعد الإنخفاض المحسوس في درجات الحرارة عاملاً محفزًا للقيام بالهجرة، و مع ذلك يوجد العديد من الأنواع، بما في ذلك الطيور الطنانة التي يمكنها تحمل درجات حرارة جد منخفضة طالما توفرت إمدادات كافية من الغذاء.

كيف تجد الطيور المهاجرة طريقها؟

لا يزال فهم آليات و نمط التوجيه لدى الطيور غير دقيقا، لكن الدراسات العلمية قدمت الدلائل و المعارف التي تشرح إلى حد ما الأمر، حيث تَبين أن الطيور قادرة على إيجاد المسارات و الطرق بالإعتماد على النجوم، القمر، الشمس و المجال المغناطيسي الأرضي و كذلك المعالم الطبيعية كالتضاريس و السواحل…. الخ).

لكي تستفيد الطيور بشكل أفضل من هذه المعالم و وسائل التوجيه، تمتلك الطيور نوعًا من الأجهزة تعمل كبوصلة ممثلة في ساعة داخلية بيولوجية تسمح لها بالحفاظ على اتجاهها و تخلق تكاملا للمعلومات المتعلقة بمواقعها مقابل الشمس أو النجوم أو المجال المغناطيسي أو حسب الضوء المستقطب. على الرغم من أنظمة التوجيه المتطورة و المعقدة التي تمتلكها، إلا أن بعض الأفراد أو المجموعات قد تفقد اتجاها خلال الرحلة و هذا ما يفسر الظهور المفاجئ لبعض الأنواع الطارئة أثناء مراقبة الطيور.

مسارات الهجرة

تطورت مسارات الهجرة لدى الطيور على مدى ملايين السنين. معظم المسارات تستند على معالم واضحة مثل أودية الأنهار أو الخطوط الساحلية. تمثل الطيور التي تكون رحلاتها أقصر من نقطة أ إلى ب نسبة قليلة، بدلاً من ذلك، تتشكل مسارات الهجرة من خلال عوامل تختلف من نوع إلى آخر، حيث تهاجر بعض الطيور دون توقف من خلال الطيران المباشر فوق الصحاري و غيرها من العوائق، حتى لو كان هذا يعني عبور مساحات محفوفة بالمخاطر من الصحراء أو البحر، و البعض الآخر يتبع المعالم الطبيعية مثل الأنهار و السواحل أو أودية الأنهار الكبيرة، مثل نهر النيل أو المسيسيبي مع الحاجة لفترات راحة متكررة للتزود بالطاقة اللازمة لاستكمال الرحلة. غالبًا ما يتم توجيه الطيور إلى ممرات ضيقة لتتجنب المعابر البحرية الطويلة و الخطيرة. تجوب الطيور البحرية المحيط الذي هو بدوره يتأثر بالتيارات و الرياح. تعود العديد من الطيور المهاجرة على طول نفس الطريق تقريبًا الذي سلكته في رحلة الذهاب، و يعود البعض الآخر بطريق مختلف.

في الأمريكتين، يشهد برزخ بنما هجرات عظمى، حيث تسافر ملايين من الطيور البرية فوق شريط من اليابسة يُقدّر عرضه حوالي 60 كم. في أوروبا أعداد هائلة من الطيور تتجمع على مضيق جبل طارق و تقطع رحلة طويلة عبر البحر الأبيض المتوسط. تقطع الطيور المحيطية أيضًا مسافات طويلة و أحيانًا تلف حول العالم. إن العديد من هذه الهجرات فوق اليابسة تكون متشابهة، لأنها تتبع مسارات معروفة. و مع ذلك، فإن العديد من الطيور البحرية تنتشر على مساحة كبيرة بمجرد انتهائها من فترة التكاثر، يمكن أن يستمر هذا السلوك المسمى بالتشتت لعدة سنوات حتى يعود الطائر أخيرًا إلى الموقع الذي فقس فيه. تتكاثر غالبية الطيور في نصف الكرة الشمالي بشكل أساسي لإحتوائها على معظم أراضي العالم، بإستثناء العديد من الطيور البحرية المهاجرة التي تعشش على جزر منتشرة عبر جميع أنحاء العالم مثل طائر جلم الماء قصير الذيل Ardenna tenuirostris.

من بين أشهر الطيور المهاجرة التي تقطع مسافات هائلة تصل حتى 20000 كم من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي طائر الخرشنة القطبية أو الخرشنة الفردوسية (Sterna paradisaea). على العموم، تتخذ أنواع مختلفة من الطيور مسارات ذات مسافات متفاوتة على نطاق واسع، يمكن أن تصل بعض مسافات الهجرة ذهابًا و إيابًا إلى 44000 ميل، أي ما يعادل تقريبًا رحلتين حول العالم و البعض الآخر أقصر بكثير، حتى أن بعض الطيور تهاجر سيرًا على الأقدام. إن كل هذه الإختلافات تخلق شبكة معقدة من مسارات الهجرة التي تمتد عبر العالم.

التوقيت المناسب للهجرة

تعرف الطيور المهاجرة غريزيًا متى يحين وقت الإنطلاق. في الأسابيع التي تسبق رحلاتها، تخزن معظم الطيور المهاجرة دهونًا زائدة في أجسامها تمثل لها وقودا عالي الطاقة يحفزها على بدء رحلاتها، حيث تصبح نشيطة بشكل كبير حتى أن بعض الأنواع تصبح سريعة الإنفعال، بحيث من الممكن أن تقوم بعدة بدايات خاطئة ممهدة لبدء الرحلة الحقيقية. قد تتأخر فترة التحضين في بعض الأحيان و بمجرد مغادرة الكتاكيت العش تقريبا تبدأ رحلتها. تكتسب معظم الأنواع سلوكا مميزا قبل الهجرة و الذي يعمل تحت تأثير ساعة بيولوجية داخلية و مع ذلك، لا تعتمد الطيور كليا على طول مدة اليوم وحده. إذا كان الطقس سيئًا، تنتظر حتى تصبح الظروف أفضل، و إذا كان الجو دافئًا بشكل غير عادي، فمن الممكن أن تنطلق في وقت مبكر. أصبح تأثير الإحتباس الحراري على مواعيد هجرة الطيور جد ملحوظ في الآونة الأخيرة لما له من أثار وخيمة على مختلف أشكال و أصناف التنوع البيولوجي.

الهجرة أثناء النهار: يتم توجيه الطائر في رحلة طيرانه بواسطة الشمس و بفضل الساعة البيولوجية الداخلية يمكنه معرفة موقعه و اتجاهه و توقيته، كل هذه العوامل تمكنه من اختيار الطريق نحو أماكن التكاثر أو الموائل الشتوية. تفضل بعض الأنواع القيام بالرحلات نهارا للاستفادة من التيارات الحرارية، على سبيل المثال فصيلة اللقلقيات مثل اللقلق الأبيض (Ciconia ciconia) و الطيور الجارحة، كذلك رتبة العصفوريات مثل فصيلة القبرة Alaudidae، فصيلة الشرشوريات  Fringillidae، فصيلة التمرة Motacillidae و فصيلة طيور السنونو أو (الخطّاف) Hirundinidae.

الهجرة أثناء الليل: في الواقع يبدو أن هناك عدة أسباب تجعل بعض الطيور تفضل الطيران بالليل، فالرحلة الليلية تسمح لها بالبحث عن الطعام طوال النهار، كما أنها توفر لها الطاقة بسبب الهواء البارد و الرياح التي تكون أكثر ملائمة و أقل اضطرابًا، بالإضافة إلى المخاطر الفسيولوجية المرتبطة بارتفاع درجة الحرارة و الجفاف، حيث يتم تفاديها ليلاً بسبب درجات الحرارة المنخفضة و الرطوبة العالية. من بين الأنواع التي تفضل الهجرة ليلا، على سبيل المثال نذكر طائر الذعرة الصفراء الغربية (Motacilla flava) و الصرد أحمر الظهر أو الرمّاني (Lanius collurio).

دراسة الطيور المهاجرة

طيور النحام (Phoenicopterus roseus) المهاجرة

توجد وسائل مختلفة لدراسة ظاهرة الهجرة عند الطيور و محاولة فهمها بشكل أفضل. إن الطريقة الأكثر استخدامًا من قبل مراقبي الطيور هي المراقبة المباشرة و التي تعتمد على مواقع مميزة مثل الممرات التي تسمح بالرؤية الجيدة و المنحدرات، النقاط الصخرية، و بالتالي توفير المعلومات النوعية و الكمية المتعلقة بهذه الظاهرة، بالإضافة إلى مشاركة البيانات التي يتم جمعها بهذه الطريقة داخل الشبكات الدولية المهتمة بالمجال لإجراء تقييم شامل لمجموعات الطيور.

إن دراسة المسار الفردي للطيور بشكل خاص يتطلب استخدام تقنية الحلقات التي توضع في أرجل الطائر، حيث ترتكز أساسا على تزويد الطيور بنظام تحديد خاص لكل فرد: حلقات معدنية مرقمة، حلقات أو نظام تَعْلِيم كالوسم ملون برمز أبجدي عددي أو بدونه.

تتطلب هذه الطريقة إلتقاط الطيور لأول مرة لتجهيزهم بواسطة وضع حلقة معدنية و من ثم استعادتها أو من خلال ملاحظتهم مرة أخرى بغرض معرفة جزء من المسار الذي قطعته منذ آخر فحص. يُعدّ هذا النوع من العمليات في كثير من الأحيان فرصة للعلماء لجمع المعلومات و القياسات الحيوية المتعلقة بالطيور مثل الوزن، الطول، السمنة (تراكم الدهون في الأنسجة الخلوية تحت الجلد)، العمر …إلخ.

أظهرت التقنيات الحديثة المتطورة إمكانية الذهاب إلى أبعد من ذلك بدقة في دراسة هجرات الطيور، ففي بعض الأحيان يمكن معرفة حتى نشاطها: مراقبة القياس عن بعد (مستويات محلية)، إستعمال أنظمة جد متطورة تسمح بتحديد مواقع الطيور بدقة أكبر على نطاق الكرة الأرضية مثل نظام أرغوس ARGOS الذي يعتمد على الأقمار الصناعية، و غيرها من الأنظمة المتطورة.

لقد مكنت هذه التقنيات الجديدة من توفير دقة أكثر حول معرفة طرق الهجرة، أوقات التوقف، سرعات الطيران، كما تستخدم الرادارات أيضًا بشكل متزايد لدراسة المسارات و بالتالي تكون قادرة على تحديد عدد الطيور بدقة، حتى و إن لم تحدد هذه التقنية كل الأنواع، فإنها تتمتع بميزة تقديم معلومات عما يحدث في الليل.

صورة لنورس أسود الرأس (Larus ridibundus) يحمل حلقة (خاتم) في ساقه

المخاطر التي تتعرض لها الطيور المهاجرة

الهجرة مهمّة شاقة و خطيرة، حيث أنّ الملايين من الطيور المهاجرة تخرج عن مسارها كل سنة و يموت الكثير منها جوعاً، كما تتعرض لهجوم الصقور و الحيوانات المفترسة الأخرى التي تتجمع على طول مساراتها. قد يفشل ما يصل إلى ثلاثة أرباع من الطيور المغردة الصغيرة، مثل طائر خطاف المخازن أو سنونو المخازن Hirundo rustica من القيام برحلة العودة إلى مسقط رأسها. للحفاظ على الطاقة غالبًا ما تتخذ الطيور المهاجرة طرقًا مباشرة و خطيرة و التي يمكن أن تعرضها للإرتباك بسبب ظروف الملاحة الخطرة. تعتبر الهجرات التي تعبر الصحاري أو المياه المفتوحة محفوفة بالمخاطر بشكل خاص. في حالات نادرة، تصادف الطيور عواصف مطيرة مما يؤدي إلى مقتل الآلاف و إجبار أسراب هائلة بأكملها على التوقف عند أول قطعة يابسة تواجهها. خلال القرن الماضي أصبحت الطيور المهاجرة أكثر عرضة للمخاطر بسبب النشاط البشري المتزايد الذي قلص من موائلها و الإستعمال المكثف للمبيدات الحشرية و الصيد في أماكن التوقف. يمكن أن تكون الأضواء الساطعة للمدن مربكة بشكل خاص للطيور المهاجرة، خصوصا التي تسافر ليلاً، مما يؤدي بها إلى اصطدامات قاتلة بالمباني و أبراج الراديو.

التصنيف العلمي

المقالات الأكثر قراءة

 

  • الحوت القاتل

  • بيض الطيور و مختلف أشكاله

  • كيف تتكاثر الطيور

  • الجقل السوري أو الواوي

  • حوت العنبر

  • النسناس المعرق